الأخبار الآن

الإمام محمد عبدالرحمن بيصار شيخ الأزهر: رحلة بدأت فى قرية «السالمية» بفوه إلى المشيخة

يصنف أنه واحد من ثلاثة أئمة للأزهر درسوا الفلسفة أولهم الإمام مصطفى عبدالرازق وفضيلة الإمام عبدالحليم محمود كما أنه أحد أربعة تولوا المشيخة وشغلوا منصب وزير الأوقاف من بينهم الشيخ جاد الحق على جاد الحق قبل توليهم المشيخة.. لكنه اكتسب شهرته الكبيرة عند اختياره فى عام 1949 لبعثة تعليمية إلى ادنبرة حيث درس الفلسفة العامة مع التركيز على حجة الإسلام الغزالى والفيلسوف الفرنسى ديكارت.

أما اللحظة المهمة فى حياته بعد عودته من البعثة كان اختياره مديراً للمركز الإسلامى بالعاصمة الأمريكية واشنطن فى منتصف الخمسينيات.. ونجح فضيلة الإمام الشيخ عبدالرحمن بيصار فى تصدير صورة مهمة عن الأزهر الشريف والإسلام فى الولايات المتحدة الأمريكية تزامنت مع العدوان الثلاثى على مصر بعد تأميم قناة السويس.. ويردد العلماء فى الأزهر حول سيرته العملية فعلى امتداد تاريخ الأزهر منذ تعيين الإمام محمد بن عبدالله الخراشى كأول شيخ للأزهر إلى تاريخ تعيينه يعد بيصار أول شيخ يشارك  فى صياغة حياة الأمة والتصدى للأفكار الملحدة والهدامة.. تأثر كثيراً بالقرية «السالمية» التى ولد فيها بمركز فوه بمحافظة كفر الشيخ عام 1910.

تميز بميله إلى التجديد والاصلاح ومواجهة التيارات الدخيلة وكان يعتبر رسالة الأزهر الشريف رسالة عالمية يجب أن تصل لعموم المسلمين من كل بقاع الأرض باعتداله ووسطيته.

والملاحظ عنه فى مسيرته العلمية سواء فى المركز الإسلامى بأمريكا عام 1955 وابتعاثه قبلها إلى المملكة المتحدة لدراسة الدكتوراه فى الفلسفة بجامعة ادنبرة فى اسكتلندا والتى استمر بها 4 سنوات من 1945 وحتى 1949 العام الذى حصل فيه على الدكتوراه.. قبل أن يعود ويتدرج فى الوظائف بالأزهر وعُين أستاذاً زائرا فى العديد من الجامعات العربية والآسيوية.

وفى عام 1969 دخل تجربة  تعتبر فى نظره أهم تجاربه العلمية والعملية باختياره أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأزهر الشريف ثم أميناً لمجمع البحوث الإسلامية إلى أن اختير وزيراً للأوقاف وشئون الأزهر فى أكتوبر عام 1979 وقبلها كان يشغل أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأزهر عام 1968 وأميناً لمجمع البحوث الإسلامية عام 1970 ثم شغل منصب وكيل الأزهر وفى عام 1974 وكان فى هذه الفترة يعد الساعد الأيمن للشيخ عبدالحليم محمود وموضع ثقته وبعدها عين وزيراً للأوقاف قبل وفاة الإمام عبد الحليم محمود فى 17  أكتوبر عام 1978 .

وفى هذه الأثناء أصبح الأزهر بدون شيخ أو وكيل فصدر قرار بتعيين عبدالمنعم النمر وكيلاً للأزهر والشيخ د. بيصار شيخاً للأزهر.

وكان مهتماً بالنهوض بالأزهر الشريف ورسالته داخلياً وخارجياً مستفيداً من ثقافته الإسلامية الكبيرة وتأثره بالغرب خلال فترة الدراسة فى اسكتلندا كما حقق نجاحات مهمة فى مسيرة الأزهر العملية وشكل لجنة لدراسة أوضاع الأزهر ولائحته التنفيذية ولم يمهله القدر طويلاً فقد تدهورت صحته وفى 18 مارس عام 1982 فاضت روحه لبارئها بعد مسيرة ثرية تولى خلالها مواقع مهمة فى رحلة علم وكفاح كبير من أجل الدعوة الإسلامية.

النشأة فى كفر الشيخ

ظهرت ملامح عبقريته ونبوغه ونجابته فى قريته الصغيرة المترامية الأطراف فى مركز فوه بكفر الشيخ حيث ولد فى 20 أكتوبر 1910.. واهتم والده بالحاقه بالكتاب لحفظ القرآن كاملاً وحفظه فى سن مبكرة والتحق بمعهد دسوق الدينى ثم انتقل منه بتفوق إلى معهد طنطا.. وكان الملاحظ شغفه بالدراسات الأدبية والثقافية لدرجة أنه قام بتأليف رواية «بؤس اليتامي» وهو طالب فى الأزهر الشريف وهنا وصل ادارة المعهد الأزهرى انشغاله بهذا التوجه وهو التأليف.. وعلى إثره ترك معهد طنطا  واتجه إلى المعهد الأزهرى بالاسكندرية.

ترك الأزهر

ووسط ارهاصات الشباب وما بين دسوق وطنطا والاسكندرية فكر الطالب عبدالرحمن بيصار  فى ترك الأزهر.

خلال فترة دراسته تعرض الأزهر لأزمة مالية وكاد بعض الطلاب الأزهريين يتسربون من الأزهر إلى مدارس المعلمين ليصلوا بعد التخرج فى التعليم الإلزامى والابتدائى وغيره خلال تلك الفترة كتب عميد الأدب العربى د. طه حسين مقالاً جريئاً عن الوضع ويصف فيه حال الأزهر.. وأهمية الحفاظ على أبنائه بما يضمن لهم العيش الكريم.

وهنا كان لمقالة طه حسين والأحداث أثر كبير لدى الطالب الذكى عبدالرحمن وعاد إلى قريته.

حوار الأب والابن

 بعد العودة إلى القرية دار حوار هادئ بين والده وبينه للتفكير فى شأن مستقبله بعيداً عن الأزهر الشريف.

وسأله والده هل عودتك للقرية كانت بسبب عدم وجود مصاريف وأموال معك فأجاب الطالب «النابه» عبدالرحمن لا فقال الأب ولما عدت إذن؟

فقال رداً على والده: عدت لأفكر فى مستقبلى بالأزهر فإننى أرى أمامى غيوما وغموضا فى المستقبل.

وهنا يأتى دور الأب الحكيم الذى كان مؤمناً بأن هذه المرحلة التى يتعرض لها الأزهر لأزمة مالية لن تستمر.. وقال لابنه موجهاً كلامه لم أرسلك إلى الأزهر الشريف لتكتسب أموالاً ونقوداً وإنما لتتعلم أمور الدين وتنفع نفسك.. وينتفع الناس منك بعلمك.. «إن الرزق بيد الله وحده».

هذا الحوار الحكيم بين والد يحب الأزهر وابنه النابه الذى اراد له أن يتعلم بالأزهر الشريف كان  بمثابة المفتاح السحرى الذى فتح عقل الطالب عبدالرحمن بيصار ليواصل رحلته مع الأزهر الشريف وبالفعل عاد سريعاً إلى مقاعده فى الأزهر بثقة والده وقدرة الطالب على مواجهة الأمر.

فى كلية أصول الدين

وبعد تخطيه مرحلة المعاهد الأزهرية فى دسوق والإسكندرية وطنطا التحق بكلية أصول الدين عام 1939 وحصل على العالمية بتفوق مهد له التواصل بالدراسات العليا قسم «العقيدة والفلسفة» ونال العالمية بدرجة أستاذ وتم تعيينه فى كلية أصول الدين.

كان عبدالرحمن الطالب هادئاً لفت نظر أساتذته بتفوقه.

الانبعاث للخارج

تم اختياره عام 1949 بعد نكبة فلسطين بعام واحد لبعثة تعليمية إلى المملكة المتحدة  وتنقل بين جامعاتها واستقر به الحال فى جامعة ادنبرة التى نال منها الدكتوراه فى الفلسفة بتفوق فى كلية الآداب عن   موضوع حول حجة الإسلام .

العودة والمواصلة العلمية

وبعد الدكتوراه عاد إلى مصرليواصل مسيرته الأكاديمية بجامعة الأزهر حتى منتصف الخمسينيات وكان الأزهر.. دخل مرحلة تأليف الكتب الدينية فى مجال تخصصه الفلسفة الإسلامية ولاقت آراؤه حوارات ونقاشات واسعة سواء بين الطلاب وبعضهم أو بين الطلاب وأساتذتهم وبين الأساتذة وبعضهم لما حملته من أفكار جديدة تعكس مدى استفادتهم من فترة البعثة التعليمية فى جامعات أوروبا.

المركز الإسلامى فى أمريكا

وفى عام 1955 عين الشيخ عبدالرحمن بيصار مديراً للمركز الإسلامى بواشنطن وهى فترة مهمة بالنسبة له كمصرى وعربى ومسلم فى الوقت الذى شنت فيه فرنسا وانجلترا وإسرائيل عدوانها على مصر عام 1956.. ووجوده فى أمريكا فى مركز يفد عليه أبناء الجاليات الإسلامية فى أمريكا وهنا نجح الدكتور بيصار الدارس الجيد للغة الإنجليزية فى الاحتفاظ بالاحترام بين الجميع ومن جميع الجنسيات الإسلامية والأمريكية وظل فى حوار  مستمر مع كل أبناء الجاليات الإسلامية وأبناء اشعب الأمريكى واستمر حتى 1959 وهو العام الذى شهد عودته مرة ثانية  إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف  شغل نفسه بجانب العمل الأكاديمى تأليف عدد من الكتب التى تتناول العديد من الموضوعات وكلها فى صحيح الإسلام المستنير.

بعثة إلى ليبيا

وفى عام 1963 تم ابتعاثه فى بعثة تعليمية إلى ليبيا حيث كان رئيساً للبعثة فى هذه الدولة الجارة والشقيقة إبان حكم محمد إدريس السنوسى.

أمين للأزهر بقرار عبد الناصر

وفى عام 1968 أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراره الجمهورى باختيار الدكتور بيصار أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأزهر وهو القرار الذى سانده للقيام بجهود مميزة للنهوض بأعباء المنصب من أجل تطوير التعليم فى الأزهر الشريف وتلا هذا الاختيار خطوة  نحو منصب آخر مهم، إما يقترب من وزارة الأوقاف أو المشيخة نفسها وهو يعينه أميناً لمجمع البحوث الإسلامية وبعد ذلك تم اصدار قرار بتعيينه وكيلاً للأزهر.

بيصار وزيراً للأوقاف

تم تعيينه وكيلاً للأزهر فكان الساعد الأيمن للإمام الدكتور عبدالحليم محمود واكتسب بما قدمه فترة توليه مجمع البحوث الإسلامية بنهضة كبرى علمية تمثلت فى تحقيق عدد كبير من أمهات مصادر التراث الإسلامي.

وزيراً للأوقاف

وفى 5 أكتوبر 1978 تم تعيينه وزيراً للأوقاف وجاء التعيين فى الوقت الذى كان الإمام الأكبر عبدالحليم محمود قد تعرض للمرض فى فترة دقيقة من مسيرة الأزهر الشريف.. وبوفاته فى 17 أكتوبر عام 1978 بات منصب الإمام للأزهر «شيخه» شاغراً ومع إعلان وفاة الإمام عبد الحليم أصبح الأزهر بدون شيخ أو وكيل باعتبار تعيين الدكتور بيصار وزيراً للأوقاف.. وتم تعيين د. عبدالمنعم النمر فى 19 أكتوبر وكيلاً للأزهر وبسرعة تم تعيينه وزيراً للأوقاف وتعيين الدكتور بيصار شيخاً للأزهر فى فبراير 1979.

بيصار شيخاً للأزهر

استمر فى منصب شيخ الأزهر حتى وفاته فى فترة مهمة وسط اندلاع الحرب الأفغانية التى شغلت دول العالم الإسلامى والاتحاد السوفيتى السابق.. وكانت تتصدر جميع اجتماعات المؤسسات الإسلامية فى أى مؤتمرات لها على أى مستوى من خلال توليه مشيخة الأزهر الشريف.

أسرة الشيخ بيصار

انجب الشيخ عبدالرحمن بيصار 4 أبناء و3 بنات أكبرهم د. وجدى بيصار طبيب وأيضاً الدكتور محمد خريج طب الأزهر وكان يعمل فى مستشفى الحسين إبان وفاة والده والمهندس جمال وصافيناز كبرى بناته كانت تعمل فى معهد فتيات العباسية وحاصلة على ليسانس الآداب من جامعة الأزهر ومتزوجة من د. طلعت الغنام بكلية أصول الدين ووفاء محامية خريجة حقوق عين شمس والابنة نهاد درست التجارة والمحاسبة وعبد الحكيم مهندس زراعي.

آخر رحلاته للخارج

كانت زيارته للرياض آخر رحلاته للخارج حيث كان يشارك فى يناير 1982 قبل الوفاة بنحو شهرين فى تحكيم جائزة الملك فيصل العالمية التى تعد واحدة من أرفع الجوائز العالمية فى فروعها الخمسة خدمة الإسلام والطب والعلوم والآداب والدراسات الإسلامية.

السادات منحه قلادة الجمهورية

كثير من الجوائز حصل عليها فقد منحه الرئيس محمد أنور السادات قلادة الجمهورية.. كما أهدته جامعة ماليزيا فى كولالمبور الدكتوراه الفخرية عام 1981 تقديراً لدوره فى خدمة الإسلام والمسلمين.

مؤلفاته

له العديد من المؤلفات فى الفلسفة وعلوم الكلام والعلوم الشرعية التى ألفها فى مراحل مختلفة من حياته قبل أن يعين شيخاً للأزهر .

ومن أبرز مؤلفاته الوجود والخلود فى فلسفة بن رشد. العقيدة والأخلاق فى الفلسفة اليونانية تأملات فى الفلسفة الحديثة والمعاصرة الإسلام فى العقائد والأديان الإسلام والمسيحية الوجوب والامكان والامتناع شروح مختارة لكتاب «المواقف» لعضد الدين الايجى  العالم بين القدم والحدوث رجلان فى التفكير الإسلامى حجة الإسلام «الغزالي» وإمام الحرمين الجويني تعليقات على شرح قطب الدين الرازي إضافة إلى روايته

الوفاة

فى السادسة والنصف صباح 8 مارس 1982 توفى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار عن عمر يناهز الـ72 عاماً بعد أن تدهورت حالته الصحية فى الكلى والقلب وكان السبب الرئيسى للوفاة اختلال فى ضربات القلب المفاجئ وحاول فريق طبى متكامل انقاذه ولكن باءت جهودهم بالفشل وتوقف القلب تماماً بعد فشل عملية التنفس الصناعى فى مستشفى الدمرداش.. وفور تدهور حالته الصحية تواجد الدكتور الطيب النجار رئيس جامعة الأزهر والدكتور كامل ليلة رئيس جامعة عين شمس وعدد كبير من علماء الأزهر.. وبعد الوفاة أعلن رسمياً عن جنازته وكشف وكيل الأزهر الشيخ محمد السعدى فرهود عن تشييع الجنازة من الجامع الأزهر وأقيم العزاء فى سرادق كبير بجوار ادارة الأزهر مساء يوم 9 مارس ونعاه رئيس الجمهورية والأزهر ومجلس الوزراء وأعلن خبر الوفاة فى جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

وكشف وقتها الفريق الطبى المعالج  أن ظروفه الصحية مرت فى أيامه الأخيرة بلحظات حرجة ادخل على إثرها الرعاية المركزة حين كان يشرف عليها الدكتور صبرى عبدالدايم أحد معالجيه وتعرض لأزمة قلبية حادة أصابته بجلطة فى الشريان التاجي.. كما تعرضت الكليتان للفشل.

وبوفاة الإمام محمد عبدالرحمن بيصار فقدت مصر والأمة العربية والإسلامية قيمة روحية متميزة بأدائها وأعمالها تولى المنارة الإسلامية الأزهر الشريف وستظل أعماله خالدة  بعد 43 عاماً من وفاته و 115 على مولده كإمام مميز يحمل الرقم 41 للأزهر الشريف وسيظل أعماله ومؤلفاته خالدة تخدم الإسلام والمسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى