الاستراحة
"الفيل الأزرق 2"… سيناريو مرتبك لنهاية كارثيّة !!
قبل خمسة أعوام، كان “الفيل الأزرق” (2014) لمروان حامد حدثًا مهمًّا ومؤثّرًا في السينما المصرية، لأنّ نوعه وأسلوبه السينمائي الجادّ، ثم نجاحه الجماهيري الكبير، مثّلت كلّها نقلة نوعية في الأفلام التجارية في السوق المصرية. مع إطلاق الجزء الثاني منه الذي حقّقه حامد نفسه هذا العام، كان السؤال واضحًا منذ البداية: هل هذا استثمارٌ لنجاح الجزء السابق، أم أنّ هناك قيمة فنية ودرامية، لا تزال مُحتملة في الحكاية؟
يبدأ الجزء الجديد بعد خمسة أعوام على أحداث الجزء الأول: الدكتور يحيى (كريم عبد العزيز) تزوّج حبيبته القديمة لبنى (نيللي كريم)، وباتت لديهما عائلة. ترك الطبّ النفسي، وبات يعمل في مجال العقارات، لكنّه يبدو غير سعيد في حياته الزوجية. يأتيه اتصال من قسم “8 غرب” (عنبر الحالات الجنائية في مستشفى الأمراض النفسية)، يخبره فيه مدير المستشفى أكرم (إياد نصار) أنّ متّهمة/ مريضة، تدعى فريدة (هند صبري) تريد مقابلته. حين التقاها، أخبرته أنّ زوجته ستقتله هو والأطفال، ثم تنتحر، وأنّ لديه 3 أيام يجب ألاّ ينام خلالها، ثم ينتهي كلّ شيء.
الجزء الأول كتبه أحمد مراد، عن روايته التي تحمل العنوان نفسه (2012)، ويستكمل الحكاية هذه المرة في نصٍ أصلي. الجزء الأول متماسكٌ بشكل مقبول، مع بعض الهنات، بينما سيناريو الجزء الجديد عبارة عن هنات كبيرة متتالية.
بشكل غريب، يبدو الجديد نسخة طبق الأصل عن القديم: دكتور يعاني أزمة كحول وابتعادٍ عن الطبّ النفسي (كما في الفيلمين)، يتمّ تكليفه بمتابعة حالة غريبة (خالد الصاوي في الأول استُبدل بهند صبري في الثاني). وللحالة صلة إنسانية به (صديقه القديم، وصديقة قديمة لزوجته). يحاول حلّ القضية التي تؤثّر على حياته الشخصية، في ظلّ ضغط من المستشفى (محمد ممدوح استُبدل بإياد نصار، مع النهاية نفسها)، ويعجز عن فهم ما يحدث. يتناول عقار هلوسة اسمه “الفيل الأزرق” (يأخذه إلى 3 أحلام في الزمكان)، فتُحلّ القضية التي يقف وراءها جنّي يدعى نائل النكّاح. سيناريو غريب جدًا باعتماده على الحكاية نفسها، وعلى مفاصل الحبكة بتفاصيلها وشخصياتها. غريبٌ أيضًا بنسخه الجزء الأول، حتى في عيوبه.
مشاكل السيناريو لا تتوقف عند عدم ابتكاره، لوقوعه في الارتباك وعدم التماسك، محاولاً الإيحاء ببُعدٍ نفسي عن أنّ أزمات يحيى تنبع من داخله، ومن ضجره وعدم قدرته على التزام حياة اجتماعية. لكنه لا ينجح في تضفير هذا البُعد مع عالم الفيلم الأصلي، الماورائي، الذي يقوم على جنّي يرغب في الانتقام من يحيى. يحاول السيناريو كذلك خلق قصّة قديمة مفتعلة للغاية، عن علاقة فريدة بلبنى، من دون أنْ يُفسِّر أهي صدفة أنْ يتلبّس نائل فريدة، من بين عشرات الملايين؟ وإذا لم تكن صدفة، فماذا أضافت العلاقة القديمة، بتفاصيلها المفتعلة؟ حتّى أنّ شكل تطوّر الحكاية، في نوعين كالرعب والإثارة، يمتلئ بإشارات وإحالات مقتبسة من أفلامٍ أجنبية أخرى، من دون تفسيرها أو جعلها منطقية.
فلماذا يقول الجنّي نائل ليحيى أنّ عليه اتباع العلامات؟ ما هي العلامات أصلاً التي اتّبعها في رحلته؟ لماذا لم يتصرّف الجنّي بتعويذة الجزء الأول؟ ما فائدة جمل مثل “الأحلام ليس بها ساعات”، مع أنّنا نُدرك الأحلام كلّها من بدايتها، ومن دون حاجة المُشاهد أو البطل نفسه للبحث عن أية ساعات؟
الفيلم مُراهِقٌ جدًا في تلك الناحية، يحاول أن يكون غامضًا وممتلئًا بالتفاصيل، من دون أن يعني هذا كلّه أيّ شيء.
رغم هذا كلّه، فإنّ “الفيل الأزرق 2” مُسلّ. كما أنّه لا يمكن التعامل معه بمعزل عن وضع السينما المصرية، وعن السياق المحلي الذي صُنع فيه. هكذا تبرز مميزات عديدة: تقنية الليالي الـ3، التي اتّبعها أحمد مراد في القصّة، صنعت إطارًا زمنيًا ضاغطًا للأحداث، والبطل ـ الذي ينهار بشكل بطيء ـ كان بُعدًا متماسكًا في السيناريو. ما أبرز هذا أيضًا كون أداء كريم عبد العزيز ممتازًا، فهو يزداد إرهاقًا وانهيارًا كلما تقدّمت الأحداث. أداء يشذّ فيه عن افتعال التمثيل عند زملائه، وتحديدًا هند صبري، التي تبلغ درجة مبالغة كوميدية، وتبدو بعيدة للغاية عن أداء خالد الصاوي في الجزء الأول، وعن مشهده الوحيد في هذا الجزء.
الجانب الأهم في تماسك الفيلم يكمن في إخراج مروان حامد. صحيح أن بعض المشاهد اتّسمت بـ”إظهار عضلات” لا داعي له، وأن التقنيات الرقمية المرتبطة بالمؤثرات الخاصة تحديدًا لم تكن جيدة في بعض المشاهد، قياسًا إلى مشاهد أخرى في العمل نفسه (شكل الجنّي نائل في المرآة، في النهاية، كارثيّ)؛ إلا أن “الفيل الأزرق 2” عمومًا يمتلك لحظات سينمائية أخّاذة بحدّ ذاتها، وفيها جهد كبير في تحقيق العناصر كلّها، كالتصوير (أحمد المرسي) والمونتاج (أحمد حافظ) وتصميم الأزياء (ناهد نصرالله) والديكور (محمد عطية)، والتفاصيل التقنية الأخرى، وتحديدًا في الحلم الأول ليحيى مع ابنه، أو في الهلوسات/ الرحلات الغرائبية الـ3، مع كل حبّة من عقار “الفيل الأزرق”، أو حتّى في أجواء رحلة البحث والتيه، التي يقوم بها بحثًا عن الحقيقة. هذه كلّها لحظات/ مشاهد/ تتابعات سينمائية لمخرج جيد ومتمكّن فعلاً، لكن مشكلته الأساسية كامنةٌ في أنّه قرّر إخراج سيناريوهات أقلّ جودة وقيمة من الجهد الضخم الذي بذله في تنفيذها