الاستراحة

د.مصطفى جاد عميد معهد الفنون الشعبية الأسبق وخبير التراث العربى اللامادى: نحتاج أرشفة الفلكلور العربى

أسهم د.مصطفى جاد، العميد الأسبق لمعهد الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون وخبير التراث العربى اللامادى (الشعبي)، بجهود كبيرة فى دراسة التراث الشعبى المصرى والعربي، ودفع حركة التأليف والاهتمام به، امتداداً لجهود الرواد فى هذا المجال، وذلك عبر مؤلفاته وأبحاثه المتعددة فى ميدان الدراسات المتعلقة بفنون وعناصر التراث الشعبي، جمعاً وتحليلاً ودراسة ميدانية، منذ باكورة أبحاثه وحتى الآن، فحاز عنها جوائز وتكريمات من مختلف المؤسسات العلمية المصرية والعربية والدولية.

د.جاد يكشف عن مشروعه العلمى فى دراسة التراث اللامادى (الشعبي)، وكذلك عن واقع هذا التراث، والتحديات التى تواجه الهوية الوطنية والثقافية وعاداتنا وتقاليدنا الشعبية الراسخة منذ القدم، وغيرها من قضايا موروثنا الشعبى المصرى والعربي.

< التراث الشعبى يشكل هوية الشعوب ويعبر عن معتقداتها وعاداتها وتقاليدها، فهل تأثر تراثنا الشعبى العربي، والمصرى تحديداً، بفعل العولمة ومحاولات فرض نموذج ثقافى عالمي؟

<< العولمة أثرت فى الثقافة والفن والاقتصاد وأشياء أخرى كثيرة، لكن فى التراث الشعبى بشكل خاص نحن نهتم بعناصر التغير فى التراث الشعبي، سواء المصرى أو العربى بصفه عامة، بمعنى أن هناك بعض التغيرات التى تحدث فى التراث الشعبى بنسب معينة، فمثلاً فى تراثنا الشعبى العادات والتقاليد الشعبية والمعتقدات الشعبية والمعارف والأدب الشعبي، وفنون الأداء الشعبى والحرف الشعبية وفنون التشكيل الشعبي، وأكثر العناصر تأثراً بالتغيرات هى دائماً الحرف الشعبية والأدوات- الأشياء المادية فى تراثنا الشعبي، سنجد أنها مرتبطة كثيراً بالتغيرات، سواء فى الموتيفات المرتبطة بالحرف، أو الخامات المرتبطة بالحرف، أو إضافات خاصة بها، أو العناصر المكونة لها مثل الجلود، أو الحرف الخاصة بالزجاج، أو الحرف الخاصة بالحلى الشعبى لدى المرأة، أو الأزياء الشعبية التى تحتوى على التطريز الكثير وبدأ يقل، وكذلك الأدوات التى عندنا كأدوات العمارة والمسكن، مثلاً «اللمبة الجاز» تغيرت الآن واختفت لأن وظيفتها لم تعد موجودة أو مطلوبة، لكن أصبحت لها وظيفة أخرى وهى الوظيفة التشكيلية، كأن نراها مرسومة وملونة فى الفنادق والبيوت، بحيث تصبح أداة من أدوات الزينة، لكن هناك بعض عناصر التراث الشعبى الأقل تعرضاً للتغير وهى المعتقدات الشعبية مثل المعتقدات المرتبطة بالحسد- مثلاً- أو بالعين أو المعتقدات السحرية فى الكائنات الخرافية، أو العادات والتقاليد لدينا؛ فهى أقل تأثراً بالتغير، بل تتم إضافات عليها مثل الاحتفالات الخاصة بشهر رمضان، مثل زينة رمضان، المسحراتي، بعض الأكلات.

< وهل السير والحكايات الشعبية من تلك العناصر التى تغيرت؟

<< الحكايات الشعبية تطورت وقلت نوعاً ما، بحكم تطور الإنسان، كالمرأة والجدة فى البيت التى كانت تحكى للأطفال هذه الحكايات بكثرة، أما الآن فالمرأة نالت قسطاً كبيراً من التعليم فأصبحت أستاذه جامعية، ومهندسة، وطبيبة، وقد لا يكون لديها الوقت للحكى إلا قليلاً، ولكن ليس بالشكل الذى كان موجوداً سابقاً، سنجد سيراً شعبية اختفت، لكن هناك سير تتردد الآن مثل السيرة الهلالية. وأى عنصر من عناصر التراث الشعر يختفى يكون بفعل الجماعة الشعبية نفسها، هل هى محتاجة له أم لا؟ وهذا العنصر له احتياج وظيفى وفنى جمالي.

> بما أن التكنولوجيا الحديثة ساعدت فى ازدهار علوم كثيرة، فهل استفاد ميدان التراث الشعبى العربى منها، وإذا كان لها مساوئ قد أثرت على هذا التراث فكيف نواجه ذلك فى نظركم؟

<< ومن وجهة نظرى فإن التكنولوجيا الحديثة وثورة الاتصالات خدمت التراث الشعبى وأسهمت فى انتشاره، فهناك الكثير من المعلومات حول عاداتنا الشعبية كعادات السبوع أو الأفراح، فنجد القديم منها يعاد نشره على مواقع كثيرة جداً من مواقع التواصل الاجتماعي، من الإنترنت واليوتيوب، فمثلاً السيرة الهلالية يستطيع أى شخص سماعها وكذلك الأغانى الشعبية القديمة من خلال اليوتيوب؛ فهى موجودة وأيضاً فيها إعادة إنتاج و التكنولوجيا أصبح لها دور خطير أيضاً وهو تحفيز العقول للحكى عن العادات والتقاليد، وكذلك عرض الصور القديمة والزينات عبر التكنولوجيا التى وفرت كتب ومراجع التراث الشعبى أيضاً.

ومن عيوبها، نجد أحياناً بعض المواقع التى توثق بعض المواد الشعبية توثيقاً خاطئاً.

الفلكلور العربي

< وما التحديات التى تواجه التراث الشعبى العربى ودارسيه؟

<< أبرز التحديات التى تواجه التراث الشعبى العربى ودارسيه- من وجهة نظر علمية تخصصية- هو التوثيق، فنحن فى حاجة ماسة لعمل أو إعداد أرشيف للفلكلور العربي، يجمع كل عناصر التراث الشعبى العربي، فنستطيع أن تستدعيه بسهولة، فحتى الآن لا يوجد لدينا هذا الأمر، وقد بذلت جهداً فى هذا الإطار، وهو «مكنز التراث الثقافى غير المادى فى العالم العربي»، وهو مختص بالتراث الشعبى العربى ويحتوى على ٢٢ ألف عنصر مصنف من هذا التراث، وهو يحتاج إلى عمل بوابة إلكترونية ضخمة من خلال هذا المكنز؛ لنضع فيه كل ما لدينا من مواد مصورة وصوتية وفيديوهات ونصوص وكتب، حتى نستطيع أن نسترجعها ونستفيد منها فى مشاريع التنمية ومشاريع البحث والإبداع. ولا تزال حتى الآن ثقافتنا الشعبية تحتاج إلى حفظ وتوثيق، لأن الكثير من المواد الشعبية فى كثير من مؤسسات التراث الشعبى فى المنطقة العربية لم توثق حتى الآن بالشكل العلمي، وأرى هذا هو أكبر التحديات الموجودة.

< هل مازال مشروع أرشفة التراث الشعبى العمل قائماً؟ وهل هناك جهود من جانب الوزارة تساند الجهود الفردية الذاتية؟

<< هناك جهود متفرقة لعمل أرشيف التراث الشعبي، فهناك أرشيف فى مركز دراسات الفنون الشعبية، لكن ينقصه الكثير من الدعم، وهناك أرشيف موجود بالهيئة العامة لقصور الثقافة فى أطلس المأثورات الشعبية، لكنه يحتاج أيضاً إلى الكثير من الدعم المادى فى المقام الأول، والبشرى فى المقام الثاني. الأرشيف عمل مجهد جداً ومكلف جداً ويحتاج منا إلى الكثير من الصبر، وهى مسألة تحتاج إلى باحثين فى علوم متباينة، باحثين فى علم المعلومات وفى علم الفولكلور، وفى السينما والتصوير والمالتى ميديا والمونتاج وفى الإدارة بشكل عام.

< يرى البعض أن التراث الشعبى أصبح مقتصراً على القرى والمدن النائية، قياساً بمدينة بالقاهرة مثلاً؟

<< الفلكلور والتراث الشعبى موجود فى كل مكان، سواء فى الريف أو المدينة، ونحن نقسمه موضوعياً- حسب الموضوع- ونقسمه أيضاً على حسب المناطق، فهناك البيئات الساحلية المرتبطة بالبحر مثل الإسكندرية ومنطقة القناة …إلخ، أو البيئات الريفية، سواء فى الدلتا أو الصعيد، أو البيئات البدوية مثلاً، أو البيئات الواحاتية، أو البيئات الحضرية مثل القاهرة، لكن ممارسات التراث الشعبى تختلف من بيئة إلى أخرى وفقاً لتراث هذا المكان.

متاحف التراث

< وما أهم متاحف التراث الشعبى فى مصر؟

<< يوجد فى كل محافظة متحف خاص بها؛ ففى سيوة هناك «البيت السيوي»، وفى سيناء هناك «المتحف السيناوي»، وفى مطروح «متحف التراث البدوي»، وفى النوبة هناك «متحف النوبة»، وفى كل متحف جزء من التراث الشعبى للمحافظة، ولدينا المتحف الأهم فى مصر وهو متحف الفنون الشعبية التابع للمعهد العالى للفنون الشعبية، و»مركز دراسات الفنون الشعبية» بأكاديمية الفنون وهو متحف يضم كل عناصر التراث الشعبى الموجودة بمحافظات مصر.

< صدر لكم مؤخراً كتاب جديد فى بابه عن الطيور فى تراثنا الشعبي، فما الدافع لتأليف هذا الكتاب وأهم محتويات؟

<< كتاب الطيور فى التراث الشعبى هو استكمال لمنظومة التراث الشعبى المرتبط بالطبيعة؛ فقد أصدرت قبل ذلك: «الماء فى التراث الشعبى العربي»، و»النبات فى التراث الشعبى العربي»، و»الحيوان فى التراث الشعر العربي»، وهذا مشروع أعمل عليه منذ فترة لإصدار مجلد ضخم عن «التراث الشعبى المرتبط بالطبيعة والكون». وتجدر الإشارة إلى أن عنصر الطيور قد احتل مكانة على المستوى الوطنى والسياسى فى بعض الدول، فالصقر- على سبيل المثال- يمثل مكانة كبرى فى دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يرتبط بمفهوم الهوية الوطنية والثقافية، وتراث الدولة عبر التاريخ. كما نجد للطيور موضعها المميز فى أعلام الدول ورموزها الوطنية، ومن بينها النسر فى علم مصر، وتناولت عنصر الطيور من زوايا متعددة، بداية من رصد بعض البقايا الأسطورية حول الطيور، والتى مازال تأثيرها حتى الآن، ومنها بقايا أسطورية حول الغراب، والبعد الأسطورى لطائر العنقاء، والبعد الأسطورى لزرقاء اليمامة. ومن ثم كان المدخل لبحث المعتقدات الشعبية حول الطيور، ومظاهر هذه المعتقدات كارتباط الطيور بالأولياء والقديسين، والتأثير السحرى للطيور، والتفاؤل بالطيور والتشاؤم منها، فضلاً عن طلاسم الطيور، والتصور الشعبى حول رؤية الطيور فى الأحلام.

أما العادات والتقاليد المرتبطة بالطيور، فقد مثلت الممارسات المرتبطة بدورة الحياة من الميلاد إلى الزواج، ثم الوفاة، إلى جانب الاحتفالات الشعبية، حيث رصدنا العادات المرتبطة بوطوطة البنات، وتسمية الوليد بأسماء الطيور.

< برأيكم، ما السبل التى تمكننا من جذب الجمهور، وخاصة شرائح الشباب، للتراث الشعبى وأدبياته وتكريس حبه والاهتمام به لديهم؟

 << الطريقة التى تنجذب الشباب للتراث الشعبى هى عمل إعادة إنتاج لهذا التراث بشكل مبسط. وفى كتبى الأخيرة بدأت الالتفات لهذه النقطة، وبدأت أتجه لإصدارات فى التراث الشعبى تكون لغتها مرتبطة بالشباب والمثقف بشكل عام، لأن اللغة البحثية الأكاديمية مرتبطة بالبحث والدرس الأكاديمي، لكن نحتاج إلى المؤلفات الملائمة فى الحجم واللغة وكذلك مواقع نحكى من خلالها تراثنا الشعبى للشباب فى شكل درامى ووثائقى بسيط وشيق.

عن الضيف

جوائز: – حصل د.مصطفى جاد على جائزة الدولة التشجيعية فى الفنون (2008)، وجائزة الإليكسو الأولى فى التراث العربى اللامادى (2014)،

مؤلفات:

«السيرة الهلالية وعبقرية الإبداع الشعبي»، «المأثور الشعبى والطفل: قائمة ببليوجرافية مشروحة»، و»أطلس دراسات التراث الشعبي»، و»نظريتى فى أرشيف الفولكلور»، و»الإنتاج الفكرى العربى فى الفولكلور» (بالاشتراك)، و»الشخصية المساعدة للبطل فى السيرة الشعبية»، و»مكنز الفولكلور»، «توثيق الحرف والمهن الشعبية الحرف والمهن بمدينة القاهرة» (بالاشتراك)، و»عبدالحميد يونس: رائد الدراسات الشعبية».. وقد صدر له حديثاً كتاب «تراث الطيور» وهو استكمال لدراسة له عن منظومة التراث الشعبى المرتبط بالكون، أصدر منها حتى الآن بالإضافة لكتاب «الطيور» كتب: «الماء فى التراث الشعبي»، و»الحيوان فى التراث الشعبي»، و»النبات فى التراث الشعبي»، وهى تعد بمثابة موسوعة علمية فى هذا الميدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى