الاستراحة

شعب صامد وفن يقاوم الاحتلال: «من المسافة صفر».. يمثل فلسطين فى الأوسكار

معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال لاسيما منذ عدوان 7 أكتوبر العام الماضى موضوع متكرر وألم متجدد فى نشرات الأخبار لكن عندما تقرر السينما لمس الوجع فالأمر مختلف والأساليب متنوعة ..

هذا هو المشروع الذى تبناه المخرج الفلسطينى الكبير رشيد مشهراوى ونتج عنه 22 فيلما قصيرا تجمعوا ليشكلوا فيلما طويلا مدته 100 دقيقة رشحته وزارة الثقافة الفلسطينية لتمثيل فلسطين فى الأوسكار وعرضه مهرجان القاهرة السينمائى الدولى ولاقى اهتماما واسعا متضامنا مع القضية الفلسطينية.

اختار كل مخرج أسلوبه فى توصيل رسالته: منهم من تمسك بالأمل وسط صحراء اليأس ومنهم من اختار السخرية فى عز الجد ..لجأ البعض إلى أبطال الحدث يتكلمون عن لحظات فارقة لم تعد بعدها الحياة هى الحياة.. وفى بعض الأفلام كان الأبطال هم الصناع أنفسهم أو أفرادا من أسرهم …حكوا عن حلم تحطم وأسرة تشردت.

الفن سلاح للمقاومة

كل هذه الأفلام تستحق مشاهدة واعية تمسح الدموع لتطرح الأسئلة ..

شاهدنا فى الأفلام براءة الأطفال وقوة المرأة وصمود الرجل ..رأينا الفن – بأبسط الوسائل وأقل الامكانيات -سلاحا فعالا للمقاومة يتفوق على ترسانة العدو ووصلتنا السخرية أوضح من الخطب والبيانات.

فالمسافة صفر هى أرض المعركة عن قرب وفى هذه الأفلام نحن نشاهد معركة يومية من أجل الحياة 22 قصة أو معركة نتحدث عنها دون ترتيب أو تفضيل بقدر ما تسمح الذاكرة وتتسع المساحة :

الفن للمقاومة موضوع تكرر واختلفت المعالجة فى «سيلفي» لريما محمود نشاهد حياة فتاة مراهقة من الموسيقى والسيلفى إلى الرعب من أصوات القصف و»سارينة». سيارات الإسعاف ..رعب يحتاج إلى علاج مكثف تعالجه ببراءتها بالرقص والرسم.

بينما تصرهنا عليوة مخرجة فيلم «لا»على صناعة قصة تحمل الأمل وترفض كل اقتراحات المعد المستمدة من شريط الأخبار الدامى وتجد ضالتها فى فرقة «صولا» التى تغنى الأغانى الوطنية فى المخيمات وتجمع الأطفال بصافرة ويصنعون أدوات الموسيقى بأبسط الخامات ويتحول حلمهم من المشاركة فى المهرجانات إلى الاحتفاء بالحياة.

وفى «التعويذة» لبشار البلبيسى تكريم للدبكة التى تحولت من رقصة تراثية إلى رمز للمقاومة تمارسه الصغيرة كنزى وتمد يديها ليشاركها آخرون رقصة الحياة.

عرض نضال دامو في»كل شيء تمام» نوع آخر من الفن «ستاند آب كوميدي» وحماسه لأداء عرضه أمام جماهير النصيرات ورحلته الشاقة للاستحمام والتأنق لمواجهتهم فى أفضل حال الذى يتغير إلى النقيض.

ويقدم أحمد حسونة «آسف يا سينما» اعتذاره لمعشوقته التى أنفق من العمر والجهد ليصنعها رغم ضيق الحال فى بلد لا يوجد به أى قاعة عرض سينمائي..ها هو بدلا من السباق نحو الحلم والسينما يخوض ماراثون من أجل البقاء .

 وفى «قرابين» لمصطفى نجيب الفن هو الكتابة و حكاية كاتبة فلسطينية هى ديانا تكتب عن الحب والأمل قبل الحرب فماذا عساها تكتب الآن بعد ما عاشته؟

ومن الكتابة إلى القراءة فى «حِمل ثقيل» تحمل  آلاء إسلام أيوب شعور الذنب لأنها تركت مكتبتها عند النزوح وتفتقد كتبها خصوصا روايتها المفضلة «الطنطورية» لرضوى عاشور التى تركتها خوفا من لعنة عدم العودة.

وفى «شظايا» لباسل المقوسى نشاهد الفنان العجوز يُكّون لوحاته بما يشبه الشظايا المتراصة..هنا ركام..هنا بشر متلاحم فى الخيام..يسود الأبيض والأسود لوحته ثم يتسلل الأحمر بلون الدماء  .

ويظهر الرسم بوجه آخر فى فيلم «خارج الإطار» لنداء أبو حسنة حيث تصحبنا طالبة الفنون «رنين» إلى بيتها حيث مرسمها المتهدم بعد القصف وتبحث بين الركام عن لوحاتها وأعمالها ومنها حمامة السلام !

ويدهشنا التوظيف الذكى للسرد بأفلام التحريك رغم ضعف الإمكانات يستخدم مهدى كريرة فى «الصحوة» الدمى المصنوعة من المعلبات «الصفيح» لتمثل أسرة فقد عائلها ذاكرته بعد قصف 2014 واستعاد الذاكرة بعد القصف الأخير ويسأل عن المصير ويدعو لفقدان الذاكرة كحل فترفض الزوجة والابن ويتمسكان بذاكرة الفرد والشعب ويستمر القصف.

وفى «جلد ناعم» يبهرنا خميس مشهراوى  بالجمع بين الرسوم المتحركة و الشخصيات الحية فى نسيج ناعم رغم قسوة الموضوع متبنيا وجهة نظر الأطفال الرافضين كتابة أسمائهم على أجسادهم لأنها تذكرهم بالموت وتمنعهم من النوم بينما تصر الأمهات ليسهل جمع الأشلاء والتعرف عليهم.

قصص مؤثرة

فى القصص المؤثرة يكون الفقد حالا وبطلا مثل «24 ساعة» يسجل فيها «علاء دامو» أصعب يوم  يمر به إنسان عاشه مصعب النادى بعد استهدافه 3 مرات كلما يلجأ لبيت يقصف ويستشهد أصحابه ويخرج ناجيا من الأنقاض ويتكرر السيناريو المرعب ويخرج من الكابوس بجراح بادية فى الوجه والأكثر كامنة فى أعماق  الروح.

أما «فرح ومريم» لوسام موسى فهى شهادة ثنائية لفتاتين ناجيتين فرح صارت تخاف النوم ليلا لأن القصف يحدث فى الظلام أما مريم فقد خرجت من الأنقاض بعد 6 ساعات وفقدت   42 من أسرتها فى قصف منزلها.

فى «خارج التغطية» لمحمد الشريف نعيش لحظات الأمل والقلق بحثا عن شقيقه تحت الأنقاض تهاتفه ابنته يرد ثم يكون خارج التغطية ويعود القصف فيغادر الأخ مع وعد بالعودة للبحث من جديد .

وتسخر رباب خميس فى «إعادة تدوير» من كل دعوات الحفاظ على البيئة مركزة على حياة أم فلسطينية تستخدم الماء لآخر قطرة للشرب والطهى والاستحمام والغسيل وما يفيض تروى به النبات .

ولأن الأفلام معنية بعرض كل جوانب حياة الفلسطينيين بعد العدوان بما فيها التعليم اختلطت السخرية بالمرارة : فى «يوم دراسي» لأحمد الدنف نصحب الطفل يحيى من المخيم فى يوم دراسى ينتهى عند قبر مدرسه الشهيد..يقرأ عليه دروسه يذهب ويعود فى طريق من مبان مهدمة فهل تصلح أن تبنى مستقبلا ؟

وفى «الأستاذ» لتامر نجم نرى الوجه الآخر لمعلم صاحب فضل على أجيال لكنه عاجز عن إعالة أسرته بعد العدوان.. وتصل السخرية لذروتها فى «جنة الجحيم « لكريم ستوم عندما يستيقظ فى كفن ونكتشف أنه حصل عليه من مكان لتغسيل الموتى  بعد أن أقنع القائمين أن من حقه أن يستمتع بالكفن فى حياته بدلا من مماته !

سينما تقاوم

عقب عرض الأفلام حكى الصناع ظروف التصوير الصعبة والتى تمت فى الستة شهور الأولى من القصف بحماس من المخرج والمنتج رشيد مشهراوى فى رسالة أن هذا الشعب يقاوم بالسينما كما يناضل فى الحياة وهكذا نكتشف -عن حق- أن عين السينما غير نشرات الأخبار حتى لو استعانت السينما بمادة فيلمية من النشرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى