نقاش ساخن فى مؤتمر «الرواية والدراما المرئية»: الأفضل للمسلسلات والأفلام.. الروايات أم السناريوهات؟
يختتم اليوم مؤتمر الرواية والدراما المرئية أعماله فى المجلس الأعلى للثقافة « دورة خيرى شلبى والذى ينظمه نادى القصة والجمعية المصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية
دارت محاور المؤتمر الذى استمر على مدى يومين حول علاقة الأعمال الدرامية بفن الرواية وشارك فيه مجموعة كبيرة من مخرجى الدراما وكتاب السيناريو والنقاد والفنانين
وقال المخرج الكبير محمد فاصل- الذى شارك بشهادة فنية وتحدث عن تجربته فى التعامل مع فن الرواية فى أعماله الدرامية إن الرواية هى أحد المصادر الرئيسية والأساسية لعمل دراما مرئية، بما تتميز من رحابة فى نسج العالم الروائى الذى تدور حوله الأحداث والغوص فى أعماق الشخصيات بشكل يقيد المخرج وكاتب السيناريو والممثل نفسه.
ويضيف المخرج الكبير أحمد صقر ان عنوان المؤتمر»الرواية والدراما المرئية» مكون من ثلاث كلمات نعم، ولكنها معبرة عما يجب أن تكون عليه الدراما ويجيب عن التساؤل المهم عند المخرجين.
أيهما يفضل العمل الدرامى المأخوذ من رواية أم سيناريو مكتوب خصيصا للتمثيل بدون نص روائى يرتكز عليه دون رواية،
– قال أنا أفضل العمل على رواية لها بداية ونهاية ومعرفة الشخصيات وتطورها ثم تحويلها إلى دراما.
السيناريست محمد السيد عيد رئيس نادى القصة ورئيس المؤتمر أشار إلى أن الدراما المرئية بدأت فى مصر مرتبطة بالرواية. وفيلم زينب شاهد على هذه البداية، واستمرت الصحبة بلا توقف لسنوات طويلة، فقدمت السينما لنا أعمال طه حسين: الوعد الحق والحب الضائع، وأعمال نجيب محفوظ: الثلاثية، وزقاق المدق، والسمان والخريف، وثرثرة فوق النيل، والكرنك، والحرافيش، وغيرها، كما قدمت أعمال الحكيم مثل: يوميات نائب فى الأرياف، والرباط المقدس. ولا تزال العلاقة قائمة حتى الآن، ولعلنا نذكر أفلاماً مثل: كيرة والجن، والفيل الأزرق. لكن العلاقة بين الرواية والدراما المرئية فى السنوات الأخيرة لم تعد قوية كما كانت، وربما كان هذا أحد أسباب تراجع السينما المصرية.
أضاف نعم بدأت الدراما فى التلفزيون المصرى مرتبطة بالرواية، ولعل الذين عاصروا البداية يذكرون مسلسل الساقية، الذى كان الناس ينتظرون حلقاته بشغف منقطع النظير، وتوالت بعده أعمال اعتمدت على روايات شهيرة، مثل هارب من الأيام، والوسية، والسائرون نياماً، وعودة الروح، ولا أحد ينام فى الإسكندرية، والزينى بركات، بل إن مجموعة من أشهر وأهم الأعمال التلفزيونية فى تاريخ التلفزيون كانت ماخوذة عن نصوص أدبية، مثل رأفت الهجان ولن أعيش فى جلباب أبي.
الآن نرى تراجع هذا الدور فهل تراجعت الدراما المرئية حين ابتعدت عن الرواية؟
> قال: مؤتمرنا يهتم بالدرجة الأولى بقضية فنية، هى العلاقة بين النص الروائي، والعرض السينمائى أو التلفزيوني. ويطرح أسئلة كثيرة ملحة؟
لنضرب بعض الأمثلة؟
> الأسئلة كثيره منها: ما هى حدود العلاقة بين النص الروائى والسيناريو التلفزيوني؟ هل علاقة تطابق؟ هل هى علاقة استلهام؟ هل هى مجرد الاستفادة باسم الكاتب أو اسم الرواية؟…وماهى خلاصة تجارب الكتاب الذين حولوا رواياتهم أو روايات غيرهم للتلفزيون أو للسينما؟ وماهى خلاصة تجارب المخرجين الذين قاموا بإخراج أعمال تلفزيونية مأخوذة عن أعمال روائية؟
قلت: وما هو الأفضل للأعمال الدرامية الروائي؟
أظن أن العودة للرواية يمكن أن يفيد الدراما المصرية الحالية، من حيث تعدد الموضوعات، بدلاً من أن تكون حبيسة الدراما الاجتماعية التى تدور كلها حول الخيانة الزوجية، ومسلسلات البلطجة التى نسميها مسلسلات الأكشن، ومسلسلات الألغاز، أو المسلسلات البوليسية، التى تبحث عن قاتل أو مرتكب جريمة. إن الرواية يمكن أن تأخذنا إلى آفاق لا حدود لها، لكن، هل من سامع أو مجيب؟
لكن هل معنى ذلك نفى معيار الجودة عن الكثير من الأعمال التى كتبت خصيصا للدراما وهناك ما يطلق عليه أدب تليفزيونى من كثرة تميزه؟
> ليس معنى ما أقول إننى أرى أن الأعمال المكتوبة للتلفزيون مباشرة أقل قيمة، فهناك أعمال كتبت للتلفزيون مباشرة لا تنسي، مثل الراية البيضا، وليالى الحلمية، والطارق، وآسفة أرفض هذا الطلاق، مباراة زوجية، وكذلك الأفلام السينمائية، ويكفى أن نتذكر أفلام الراحل وحيد حامد، وأحمد عبد الوهاب، ومحمد مصطفى سامي، وأفلاما مثل حب فى الزنزانة، وناصر 56 من إخراج الأخ والصديق محمد فاضل، وأفلاما مثل الشقة من حق الزوجة، وانتبهوا أيها السادة لعمر عبد العزيز.
إننا نريد واقعاً درامياً أساسه التنوع، وطابعه الثراء، لا يدور فى حلقات مفرغة، ولا ينقل عن المسلسلات التركية ولا الهندية ولا المكسيكية.
السلب أو الإيجاب
د.زينب فرغلى حافظ الأستاذة بكلية دار العلوم جامعة المنيا وأمين عام المؤتمر ترى أن للرواية منذ زمن بعيد دورًا مهمًا فى صناعة الثقافة وتجديد الفكر وتنمية الوعى فى المجتمعات، مما يكون له كبير الأثر بالسلب أو الإيجاب على قطاع كبير من شرائح المجتمع، وقد يتخطى التأثير مدى أكثر حين يتحول الى أعمال درامية فيسهم فى إصدار تشريع قانونى كما حدث مع فيلم (أريد حلا) 1975 عن قصة لحسن شاه، حيث جسّد مشكلة اجتماعية، وكان سببا فى إعادة النظر فى قانون الأحوال الشخصية، وهناك عدد كبير من الأفلام كان له دور فى استصدار تشريعات أو تعديلات على القوانين المجتمعية منها: جعلونى مجرما (1954) الذى كان سببا فى إصدار مادة تنص على الإعفاء من السابقة الأولى حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة، وفيلم (باب الحديد 1958) الذى كانت أحداثه سببا فى إقامة نقابة عامة للشيالين، وفيلم (كلمة شرف 1973) الذى كان له دور فى إعادة النظر فى الحالات الإنسانية للسجناء ووضع مواد جديدة تسمح للمسجون بزيارة أهله الذين يعجزون لظروف صحية شديدة عن زيارته، وكذلك فيلم (آسفة أرفض الطلاق 1980) الذى كان سببا فى الدعوة لإلغاء حكم الطاعة وجعل تنفيذ الطلاق بحكم من قاض مختص، وفيلم (الشقة من حق الزوجة 1985) والذى كانت أحداثه سببا فى صدور تشريع جديد يحدد من سيكون له حق الانتفاع بشقة الزوجية فى حال الانفصال،
وفيلم (678) 2010 والذى كانت لأحداث قصته دور بارز فى صدور قانون التحرش؛ ومن المؤكد أن هذه العلاقة القائمة بين الرواية والسينما قد أثمرت بشكل إيجابى وفعّال فى تجديد فكر المجتمع ووعيه.
إمبراطورية ميم
د.منير فوزى أستاذ البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن بكلية دار العلوم المنيا قدم بحثا بعنوان «إمبراطورية ميم: من النص إلى الدراما» يقول:
فى عام 1965 صدرت مجموعة قصصية قصيرة بعنوان (بنت السلطان) من تأليف الكاتب الكبير «إحسان عبد القدوس»، وضمت ثلاثًا وثلاثين قصة قصيرة، حملت إحداها عنوان (امبراطورية ميم)، وبعد مرور سبع سنوات على صدورها قرأها الأديب العالمى نجيب محفوظ وشدته فكرة إحدى قصصها وهى قصة (إمبراطورية ميم) ووجدها بخبرته فى مجال السيناريو صالحة للمعالجة السينمائية، فأعد لها سيناريو حافلاً قدمه للمخرج حسين كمال الذى قام بإخراجه عام 1972م.
والسؤال هل يضيف السيناريست للقصة أم يلتزم بها بالحرف؟
يقول فوزي: احتفظ محفوظ بتيمة القصة المحورية لإحسان عبد القدوس لكنه عدّل كثيرًا وأضاف واستبدل فى سيناريو الفيلم بما يتوافق مع طبيعة فن السينما ومراعاة متطلباتها الجماهيرية، حيث بدا السيناريو أرحب إطارًا وأوسع مجالاً وأكثر تماسكًا وتماسًا مع الواقع فى تلك الفترة، من خلال إضافات كبيرة ومسارات حقيقية حولت بساطة القصة إلى دراما سينمائية فاعلة.
من يضيف لمن؟
> تمثل هذه الدراسة محاولة لتناول أوجه الاختلاف والاتفاق بين نص القصة والفيلم السينمائى طبقًا لجماليات السرد؛ موضحة كيف أن الفيلم منح الحياة والخلود للنص فى ضوء أبعاد الدراما السينمائية الكبيرة.
لن أعيش فى جلباب أبي
دكتور طارق مختار سعد أستاذ النقد الأدبى والأدب المقارن المشارك- جامعة المنيا قدم دراسة بعنوان « بناء شخصية البطل من النص إلى الدراما «لن أعيش فى جلباب أبى نموذجًا»
يقول: بقدر ما تتمتع به الدراما من قدرة على الكشف والتأثير فى المتلقي، بفضل ما تمتلكه من مؤثرات سمعية وبصرية؛ تغدو سلطة العمل الدرامى أكثر حضورًا وتملكًا لوجدان المشاهد، إذا ما قورن بالنص الروائي، ما يؤكد على تباين الملامح الفنية لشخصية البطل فى الرواية عنها فى المسلسل الدرامي، ومرجع ذلك إلى الاختلاف بين الوسيطين: النص المكتوب والعمل المرئي، وما يفرضه الوسيط الناقل على الطريقة التى يتم بها عرض الشخصية وتطويرها،
لنعطى بعض الأمثلة؟
> بالوقوف على ملامح شخصية البطل فى (رواية لن أعيش فى جلباب أبي) للكاتب «إحسان عبدالقدوس»، فى مقابل بطل المسلسل التليفزيونى الذى حمل اسم الرواية نفسه، نجد أننا أمام مجموعة من التحولات الفنية التى فرضتها طبيعة الوسيطين على شخصية البطل، كان أبرزها التغيير بغرض التكييف الدرامي، وهو ما تحقق باستبدال شخصية البطل الابن (عبدالوهاب) فى الرواية، بالأب (عبدالغفور) فى العمل الدرامي، ما استدعى مجموعة من التحولات التى فرضت نفسها عبر مستويات عدة: منها عمق الشخصية ومساحة عرض أبعادها المادية والنفسية والأيديولوجية، ومدى تطور الشخصية عبر الإطار الزمنى المؤطر للعمل، الأمر الذى هيأ لبطل المسلسل حالة من التأثير الجماهيرى بدت أكثر اتساعًا وحضورًا، إذا ما قورنت بتأثير بطل الرواية، وهذا ما يحدث عندما يلجأ صُنّاع العمل الدرامى إلى إجراء تغييرات على الشخصية لتتلاءم مع الإيقاع الدرامى أو معايير الإنتاج.
وكانت الجلسات قد ناقشت عدت أبحاث منها « بين النص الروائى والعرض البصرى عند نجيب محفوظ وخيرى شلبى للناقد د.محمود الضبع، و ثلاثية الأمالى بين الأدب والدراما للدكتورة سحر شريف والوتد بين الرواية والدراما للكاتب زين خيرى شلبى والسمان والخريف بين الرواية والدراما للناقد رامى عبدالرازق والشحاذ بين الأدب والسينما للشاعرة د.عزة بدر واللص والكلاب بين الأدب والسينما للدكتور سامى سليمان وادار الجلسات السيد نجم وحسن الجوخ وعبده الزراع.
واقيمت جلسة للشهادات عن تجربتهم بين الرواية والسيناريو والدراما والإخراج وتحدث فيها كل من إبراهيم عبدالمجيد والسيناريست محمد السيد عيد والسيناريست والروائية نادية رشاد.
كما أقيمت جلسة للشهادات عن التجربة بعنوان « تجربتى مع تحويل الرواية إلى دراما تليفزيونى وتحدث فيها كل من المخرج الكبير محمد فاضل والمخرج الكبير أحمد صقر والمخرج الكبير عمر عبدالعزيز وعصام عزت رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لإصدقاء مكتبة الأسكندرية على دور الجمعية على دعم النشاط الثقافى لما له من صلة وثيقة بالمجتمع، فمن اهداف الجمعية هى التوعية والتثقيف وتقديم الخدمات الثقافية والاجتماعية.
ويضيف تسعى الجمعية دائما لتقديم مشاركات مجتمعية مع قطاعات مختلفة مثل القطاع الثقافى والاعلامى والجامعى وغيره وأى مؤسسة تهتم بالشأن الثقافى والاجتماعى بشكل خاص.