عندما قال فريد شوقى لـ«جمال عبد الناصر»: تمام يا ريس.. هدى سلطان وشكرى سرحان على الجبهة
«إلى زعيم الحرية جمال عبدالناصر» إن اللحظات التاريخية التى اجتازها شعب مصر خلال العدوان الثلاثى اثبتت للعالم أننا شعب مجيد قاوم بربرية المستعمرين ببسالة وسطر فى التاريخ بنصره أروع مواقف البطولة وهو يكافح من أجل القيم الإنسانية والحضارة والمستقبل ومن أجل أن يسود السلام والحرية والطمأنينة والخير والفن المصرى الذى كان مجرد وسيلة للتسلية فى العهود البائدة التى ساندت الاستعمار ضد الشعب عرف دوره فى هذه المعركة الوطنية وساهم ليصنع الساعات التاريخية بما وسعه الجهد.. والحمد لله قررت أن انتزع للفن شرف القيام بهذه المهمة الجليلة فأنتجت فيلم بورسعيد مسجلاً ما ارتكبته قوى البغى والعدوان من همجية وبربرية ووحشية.
وأرجو أن أكون قد أديت بهذا الفيلم بعض ما ينبغى أن أقوم به كمواطن مصرى يؤمن بالحرية وحق الشعوب فى ان تعيش حرة كريمة آمنة.
هكذا كتب الفنان فريق شوقى إلى الرئيس جمال عبد الناصر يقدم إليه فيلم «بورسعيد» بعد أشهر قليلة من العدوان الثلاثى عام 1956 ووثق من خلاله بطولات المدينة الباسلة وتحول من مجرد فيلم إلى وثيقة تؤكد دور الفن العظيم مع الوطن لحظة بلحظة.. ولم يكن غريباً أن يكتب أنور السادات عن الفيلم ويقول:
لقد سجل هذا الفيلم العدوان الغاشم من جانب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.. وقال بكل ثقة إن شعبنا يعرف جيداً كيف يقاوم أقوى الأسلحة بارادته البطولية وعقيدته التى لا تهتز وحبه العظيم لأرضه.. وتلاحم الشعب والجيش.. وقد عمل صناع الفيلم فى ظروف عصيبة وكانوا فدائيين فى أداء رسالتهم وخرج العمل محققاً لما قصده منتجوه من وقوف العالم بأجمعه على ما ارتكبه أعداء مصر لا ضدها وحدها ولكن ضد العالم الحر وضد مبادئ العدالة والأصول الإنسانية.. هذا هو الفيلم «بورسعيد» الذى ستلمسون فيه الوطنية والتضحية والفداء.
حكاية الفيلم
القصة التى كتبها مخرج الفيلم عز الدين ذوالفقار وشاركه فى كتابة السيناريو الأسطى على الزرقاني.. هذه القصة تم صياغتها باحترافية وربطت بذكاء بين بورسعيد وفلسطين وهى القضية التى أخذها الشعب المصرى على عاتقه فهى الأقصى أول القبلتين وثالث الحرمين وهى بيت المقدس ومهد المسيح عليه السلام ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلي.
ومن خلال أسرة شهيد فلسطين.. وعائلة مدرب كتائب الحرس الوطنى فى بورسعيد تبدأ الحكاية وتحاول امرأة إنجليزية نشأت فى مصر ان تتقرب إلى أسرة طلبة «فريد شوقي».. وقد اختار المخرج الكبير أن يلعب بنفسه دور الجاسوس «جميس» مع شريكه ويليمز وثالثهما مورهاس «أحمد مظهر» وقد انضمت إليهم الانجليزية بات «ليلى فوزي».. وتقع المعركة وتدور بطولاتها فى المدينة الباسلة.
ولائه فى كل عصر يعتمد العدو على عملاء من أهل البلاد ففى الفيلم يكون شيكو الحلاق هو هذا الخائن لأجل المال لكن الحق ينتصر فى نهاية المطاف.. وتتفوق أسلحة العزيمة والبطولة والإيمان بالوطن.. ضد طائرات ودبابات وعتاد العدوان الثلاثي.
ما قبل الفيلم وبعده
نعم كانت فكرة الفيلم منطلقة من جمال عبدالناصر.. فى جلسة ضمت أيضاً عبدالحكيم عامر وأنور السادات.. فى أيام العدوان نفسه.. لذلك جرى تصوير بعض اللقطات حية.. ثم استكملت حسب السياق الدرامي.. وهو ما يعكس وجهة نظر رجال الثورة من قيمة الفن وحضوره فى الأحداث الهامة.. ويعكس أيضاً الثقة فى نجوم مصر وعلى رأسهم فريد شوقى وجرى الانتاج من خلال شركته الخاصة وقد تكلف الفيلم 35 ألف جنيه وأشرف على الانتاج واحد من كبار المخرجين هو حلمى رفلة نظراً لخبراته فى مجال الانتاج.
وقد أقبل على المشاركة فى العمل اسماء كبيرة: فريد شوقى وهدى سلطان وليلى فوزى وشكرى سرحان وزهرة العلا وأمينة رزق وحسين رياض وزينب صدقى ورشدى أباظة وتوفيق الدقن وعدلى كاسب ونعيمة وصفى ونور الدمرداش وسراج منير وأحمد مظهر وقام بعمل الموسيقى التصويرية فؤاد الظاهرى وكتب الأغانب والأناشيد عبدالله شمس الدين ولحنها محمود الشريف وأبرزها «الله أكبر» الذى أصبح هو النشيد القومى لمصر:
الله أكبر فوق المعتدي
والله للمظلوم خير مؤيدي
أنا باليقين وبالسلاح سأفتدي
بلدى ونور الحق يسطع فى يدي
وعندما قال أنور السادات ان طاقم الفيلم غامر بأرواحه كان صحيحاً فقد تم تهريب معدات التصوير فى «مشنات» السمك المصنوعة من الجريد.. وكان الانجليز يسيطرون على المدينة.. قبل انسحابهم منها.. وكان من الرائع ان توزع وزارة الارشاد «الإعلام».. أشرطة الفيلم لكى يتم عرضه فى المدارس.
وفى تعليقه على الفيلم قال الكاتب الكبير فتحى غانم أن أهم ما يميزه روح الجماعة.. فلم يتوقف عند البطولة الفردية.
وقد اجتمع فيه عنصر التوثيق إلى جانب الخيال الدرامى بشكل متجانس ومنسجم.. مع ملاحظة ان انتاج الفيلم جرى فى زمن قياسي.. ونيران المعركة كانت ماتزال مشتعلة.
وقد قدمت السينما والدراما التليفزيونية معركة 1956 وما قبلها من قرار تأميم قناة السويس وما بعدها فى أكثر من عمل.. أبرزها «ناصر 56».. أماقصة حفر القناة نفسها فقد رصدها محفوظ عبدالرحمن وهو مؤلف الفيلم فى مسلسل «بوابة الحلواني».
قصة فيلم بورسعيد ما أحوجنا إلى تكرارها الآن من كل منتجى السينما فى القطاع الخاص فى هذا الوقت فالمخطط كبير ضد مصر وإذا كانت الشركة المتحدة قدمت أعمالاً تكشف ما نتعرض له من مخاطر وكيف يقف المواطن سندًا لبلده فلابد أن تمتد يد السينما والدراما الخاصة لتناقش وتقدم نفس الرسالة كما نقلها فريد شوقي.