رصدنا المشهد الثقافى وتجلياته الأدبية فى الإسماعيلية: «الفيس بوك» سبب أزمة الشعر
أكد أدباء الإسماعيلية على دعمهم الكامل للقيادة السياسية فى الدفاع عن الأراضى المصرية والهوية الثقافية ونبذ الإرهاب والتصدى للشائعات، والتأكيد على دور الدولة المصرية فى مساندة ودعم القضية الفلسطينية، وكذلك دورها فى دعم الشعوب العربية فى تقرير مصيرها والحفاظ على أراضيها.
وطالب الأدباء قصور الثقافة بزيادة المخصصات المالية للمبدعين من ضيوف نوادى الأدب، وكذلك بند الانتقالات، وتوفير بند إعاشة واستضافة من ميزانيات نادى الأدب، وزيادة عدد كتب النشر الإقليمى بما يتماشى مع حجم العضوية لنوادى الأدب. كما أوصوا رئيس جامعة قناة السويس لتفعيل البروتوكول المنعقد مع وزارة الثقافة، وإشراك الأدباء فى الفعاليات الأدبية التى تنظمها الجامعة. وطالبوا فرع ثقافة الإسماعيلية بعمل مشروع توثيقى للكتاب المعاصرين وإصدار كتاب بأعمالهم، وزيادة عدد نوادى الأدب بفرع ثقافة الإسماعيلية بما يتناسب مع إمكانيات ولوائح الهيئة العامة لقصور الثقافة.وعودة برنامج تكريم المبدعين والأدباء فى المحافظات من قبل قصور الثقافة.
جاء ذلك خلال جلسة التوصيات بحضور د.شعيب خلف مدير عام الإقليم، وشرين عبدالرحمن مدير الثقافة، وجمال حراجى رئيس المؤتمر، وأحمد نجم أمين المؤتمر، والدكتور حسن سلطان عضو الأمانة العامة للمؤتمر ورئيس نادى أدب الإسماعيلية.
كان قصر ثقافة الإسماعيلية قد شهد مؤتمر اليوم الواحد الأدبى بعنوان «المشهد الثقافى وتجلياته الأدبية بالإسماعيلية»، ضمن أجندة الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت رئاسة الشاعر جمال حراجى وأمانة القاص أحمد نجم.. لـ»الجمهورية الأسبوعي» تابع فعاليات المؤتمر، والتقت بعدد من الادباء والمثقفين الذين تحدثوا عن أزمة التسعير ومطالبهم لدعم الثقافة والمثقفين.. إلى التفاصيل:
نحن والواقع
أكد الشاعر جمال حراجي، رئيس المؤتمر، أننا لا نستطيع أن نفصل الواقع الاجتماعى المعاش بكل إشكالياته ومشاكله عن الواقع الثقافي، فهذا نتاج ذاك كما يقال.. كلما انتعشت الحياة الاجتماعية وتم حل العديد من المشكلات التى يعانى منها المواطن، كان الواقع الثقافى أفضل. وبالتأكيد نحن كأدباء ومثقفين نحلم بواقع ثقافى مختلف عما نحن فيه الآن.. لدينا آمال وطموحات كبيرة فى تغيير البنية الاجتماعية وزيادة الوعى الشعبى لدى أبناء شعبنا والتخلص من الأمية الثقافية.. وربما نحن هنا فى منطقة تحمل إرثًا ثقافيًا وفنيًا مختلفًا، لكننا لم نستفد من هذا الإرث ولم نستطع الحفاظ على بعض الموروثات التى اكتسبناها طوال عقود مرت علينا. وحتى هذه اللحظة لا يوجد توثيق حقيقى لفنون كادت أن تنقرض، ومنها فنون تراث السمسمية القديمة التى تم إنتاجها فى الأربعينيات مثلاً وحتى حرب أكتوبر المجيدة، وتكاد هذه الفنون يطولها الانقراض أو التغيير بفعل التحديث للأغانى وتغيير الكلمات وغيرها. والحقيقة أنها قضية مهمة وفى صميم المشهد الثقافي.. ليس هذا فقط، ولكن هناك العديد من المشاهد التى يجب النظر إليها بعين فاحصة وواعية، ومنها المنتج الثقافى الحالي.
وسائل التواصل الاجتماعي
بعد أحداث 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو، وما حدث من انتشار وسائل التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا بأنواعها المختلفة، والتى كانت سببًا مباشرًا فى تدنى بعض الإبداعات التى يتم نشرها من شعر وقصة وغيرها، بدون فلترة أو نقد حقيقى لما يتم تقديمه على هذه الصفحات، وغياب كامل للحركة النقدية إلا فيما ندر، مع أزمات أخرى مثل النشر، والتى تسببت فى نشر العديد من الأعمال السيئة من خلال عدد من دور النشر الخاصة التى لا تهتم بمضمون الأعمال الإبداعية بقدر اهتمامها بما تجنيه من أموال من الكاتب، مع تكدس العناوين الإبداعية الجيدة فى سلاسل النشر الحكومية التى تتأخر كثيرًا نظرًا لمحدودية الميزانيات أو ما شابه ذلك.
وتبقى قضية التفاعل مع الجمهور، وهى تحتاج إلى مجهود موازٍ للانتقال إلى الناس فى قراهم والطلاب فى مدارسهم، والبحث عن المواهب المختلفة فى القرى والنجوع. وهذا لا يأتى إلا من خلال التعاون مع المؤسسات المختلفة، ومنها التربية والتعليم وغيرها.
والشباب والرياضة والجامعة، ولدينا جامعة من الجامعات العريقة إلا أنها ما زالت بعيدة عن المشهد الثقافى المحلي.
المشهد الثقافي
وأشار أحمد نجم، أمين المؤتمر، إلى أن المشهد الثقافى بالإسماعيلية لا ينفصل عن المشهد الثقافى العام بباقى مصر، حيث إن هناك حالة من الانفصال بين المبدع والمتلقي. وهنا تنقسم المشكلة إلى عدة أقسام، أحدهما مباشر والآخر غير مباشر. الشق المباشر يتفرع إلى أربعة أقسام: قسمان يخصان المبدع وقسمان يخصان المتلقي. أما القسم غير المباشر فهو دور المؤسسات التى تتبع الدولة والجمعيات والصالونات الثقافية، سواء كانت تتبع أفرادًا أو مؤسسات خاصة، للمساهمة فى حل تلك المشكلة. ومن هنا فإننى أرى أن تصدر تلك المؤسسات قرارات بتشكيل لجان لبحث الموضوع من المعنيين بالعملية الثقافية والإبداعية، وتعديل تلك اللوائح العقيمة، وإتاحة مساحة أكبر للمبدعين للتعبير عن أنفسهم.
الذائقة الشعبوية
الجلسة الأولى بعنوان «الأدب والفن والذائقة الشعبوية الجماهيرية» للباحث د.حمدى سليمان، والذى أشار فيه إلى أن الشعبوية تجاوزت لتطال الكثير من المستويات الثقافية والفكرية المصاحبة، حيث تتوغل فى مناحى حياتنا المختلفة.. والمتأمل فى المشهد العام للشعبوية يستطيع أن يعرف أنها ترتبط بالاستسهال فى معالجة الأمور، وبقصر النظر فى المسائل الجدية. فالظاهرة الشعبوية تقوم على تبسيط الخطاب الموجه للجماهير وجعله أكثر انفعالية وحساسية عوضًا عن الخطاب العقلانى القائم على الحس النقدي. وهى عادة ما تظهر فى سياق الأزمة، فيحاول النص الشعبوى استغلال ظروف اجتماعية قلقة أو أوضاع اقتصادية وثقافية سيئة، لتؤثر على عقول ومشاعر عامة الشعب. إن أسوأ ما يقدمه الشعبيون للجيل الجديد خاصة هو تلقينهم مفاهيم ومقولات مزيفة جاهزة، ويدربونهم على قول جمل بتقنية دون فهم المعنى أو الهدف المراد. يصف فرانسيس فوكوياما الشعبوية بأنها «أحد أمراض الديمقراطية الليبرالية».. وقد ساهمت العولمة فى انتشار ظاهرة الشعبوية على مستوياتها المختلفة: الثقافية والسياسية والاقتصادية، وذلك بمساعدة ثورة المعلومات والاتصالات. يقول ميشيل فوكو: «مع بداية عصر ما بعد الحداثة وما أنتجته من تأثيرات فكرية ونضالية فى الأنظمة السياسية، تغير أيضًا الخطاب السياسى إلى خطاب يدغدغ المشاعر الجماهيرية والشعبية.»
إثراء الحركة الأدبية
والبحث الثانى بعنوان «دور فرع ثقافة الإسماعيلية فى إثراء الحركة الأدبية والفنية فى التربية والتعليم والجامعة» للباحث الأديب مجدى مرعي، والذى جاء فيه أن الهيئة العامة لقصور الثقافة تعمل حاليًا على مشروع للوصول إلى القرى المحرومة من الخدمات الثقافية، حيث تم اختيار 44 قرية، منها قرى بلا أى خدمات ثقافية، ونقوم بشكل أسبوعى بزيارة واحدة من تلك القرى لتقديم برنامج ثقافى كامل يحتوى على ورش وندوات ودورات تدريبية على الحرف التراثية ومعارض فنون تشكيلية.
أبعاد النص السردي
ويتناول خالد صالح الأنصارى أبعاد المشهد السردى فى واقع القصة والرواية بالإسماعيلية، حيث تزخر الإسماعيلية بالعديد من الكتاب ذوى البصمة فى عالم الكتابة، منهم رواية (سبق سري) لعبير العربي، ورواية (فرد سمان) لأحمد منصور الخويلدي، وقصة (حدائق الملاحة) للدكتورة صفية فرجاني، وقصة (ترامادول) لمحمد فوزي، و(اسم الفيلم) لمحمد محروس، و(صورناه) لشريف سمير، ثم قراءة فى المجموعة القصصية (مساءات مرة) للأديب عبدالحميد البسيوني.
ثلاثة أبعاد
النص الأدبى عامة تتعاوره ثلاثة أبعاد هي: البعد الفكرى الذى كان سببًا لانبثاق النص الأدبي، والبعد التكوينى للنص، أى طريقة تقديمه للسامع، ومن ثم البعد التواصلي، ويتحدد بكيفية التعامل مع المتلقي، بوساطة تراعى مقتضى الحال والمقام وغيرها من الأمور التى تدخل أساسًا مساعدًا على فهم النص. فالنص بالطبع لم يأتِ من فراغ، وإنما تتحكم به وحدات صيرورته وهي: وحدة الصراع أى موقفه من الواقع المعيش إن كان رافضًا أو مستجيبًا لذلك الواقع، والحق أنه بسبب هذه الوحدة تنبثق بؤرة العمل الإبداعي، ثم تأتى وحدة تنامى البناء فى سلسلة أحداث القصة أو العمل الأدبي.
وبعد ذلك تأتى الوحدة الشعورية فى النص الأدبي، أى كيف يستطيع المبدع تعبئة كلماته بالوجدان فتأتى مرتوية بالعاطفة، ويتبين ذلك بمدى تأثيرها فى المتلقي، وتدخل عناصر البناء الفنى التى تمثل بجوانب مختلفة فى التكوين النصى للعمل الإبداعي، فتكون معبرة عن مقاصده.
وبنظرة للواقع السردى حاليًا ـ داخل الإسماعيلية نجد زخمًا قصصيًا وروائيًا تتلاحق أمواجه، وتتباين دفقاته الفنية باختلاف كاتب عن آخر؛ ذلك لطبيعة الشخص وموهبته وثقافته وأدواته، فضلًا عن مدى إخلاص كل كاتب لمشروعه الأدبي.
شعراء الإسماعيلية أنموذجًا
ويتناول فتحى نجم جدلية الوجع والهم ومشتقاتهما فى كتابات شعراء العامية المصرية، مؤكدًا أن البحث النقدى فى شعر العامية يُعد اعترافًا بقيمة هذا اللون الأدبى ومدى ما قدمه عبر أزمنة مختلفة وعبر أجيال شعرية متتالية من إثراء للحركة الأدبية. وكما مر الشعر الفصيح بمراحل أبرزت تطوره وتجدده، أيضًا شعر العامية مر بمراحل متشابهة. فالقصيدة العامية تمشى تقريبًا بالتوازى مع الفصحي، ولقد وظفت مجموعة من التقنيات والتحديثات التى غيّرت مسار القراءات النقدية للنصوص.. فالقصيدة العامية الجيدة نلحظ فيها توظيفًا للتراث والمفارقة والإدهاش وتراسل الحواس والمجاز البصرى والطباق والجناس والرمز وتعدد الدلالات وغيرها من الظواهر البلاغية التى جعلت النص يمثل أفقًا مفتوحًا للتأويل.
ستظل العامية المصرية هى اللغة أو اللهجة الأكثر ديناميكية والتى تتناسب مع الحركة الدائمة والسريعة لحياة المصريين.. تعبر عن سخريتهم وتهكمهم، وتعبر عن جديتهم وآلامهم. تَنهل من التراث والحياة اليومية، تَنهل من الواقع المعاش، وتحاول أن تُكوّن حالة تلاقٍ مع ثورة التكنولوجيا.. إن العامية هى اللغة أو اللهجة التى استطاعت أن تزاحم الفصحى فى عالم الشعر المعاصر، بين شفاهية وتنغيم عروضي، وبين تشارك مع الآداب الغربية وفلسفتها.