الشاعر والروائي وليد علاء الدين: مصر هوية ثقافية مستقلة واضحة المعالم..
الإنسان صندوق خيال مغلق والقاعدة هى تعدد أشكال التعبير
السرد هو الأقرب لروح العصر وعلى الشعر أن يتطور وإلا …
تتسع تجربة وليد علاء الدين للدرجة التي ربما يصعب معها تقديمه تقديما وافيا في مساحة ضيقة تسبق حوارنا معه، ورغم أنه لا يحتاج لتقديم فحسبه أن نصفه بأنه الشاعر والروائي والكاتب الـ ” مغامر” والـ” مجرب” ولكنه التجريب المسئول وثيق الصلة بواقعه وجذوره وليس الـ “قفز في الهواء” على حد تعبيره ، علاء الدين يؤمن أن الأصل في الإبداع هو تنوع وتعدد أشكال التعبير عنه وهو أيضا ” قناص خيال” إذا جاز الوصف والتعبير، كتب الشعر والسرد والمسرح وأبدع في الفن التشكيلي ولم يهمل مسئوليته الثقافية في ضخ الوعي بالكتابة وأدواتها وإرشاد المبدعين الشباب وتنظيم الورش وكتابة المقالات فضلا عن جهده في الإعلام الثقافي .. لوليد علاء الدين عدد كبير من الإصدارات الأدبية المتنوعة منها” ابن القبطية( رواية)، كيميا( رواية)، أيها الموت العظيم ( شعر) وقد ترجمت كتاباته لعد لغات وحاز عددا من الجوائز فضلا عن مشاركاته الواسعة في المشهد الثقافي العربي والمصري وحوارنا جاء معه على هامش حضوره ضيفا على معرض القاهرة للكتاب ومشاركته شاعرا في الأمسيات وفي ندوات مركز أبو ظبي للغة العربية الذي يعمل به مستشارا
حوار / جمال فتحي
*كيف ترى المشهد الثقافي العربي ودور مصر ومبدعيها في صياغة مشهد يليق باللحظة وما تعليقك على تلك الدورة من معرض الكتاب ببرامجها وضيوفها؟
أبدأ من النهاية، دورة المعرض هذا العام مبهجة ليست ببرامجها و ضيوفها ولكن بهذا الحضور اللافت والجماهير التي توافدت بالملايين على معرض الكتاب ” العرس” حتى لو جاء هؤلاء لمجرد البهجة وقضاء الوقت مع الأسرة والأصدقاء يكفي فهم يعرفون أنهم في ” معرض الكتاب” وهذا يكفي والضيوف يتغيرون والبرامج تتغير والوزراء يرحلون، ولكن هذا العرس يجب أن يبقى وحالة الاحتفال العربي والدولي الناس الذين يقررون أن يتركوا أعمالهم وبلدانهم لكى يسافروا لمصر من مشاهير الأدب والفن والمسرح والناشرين إلى آخره لا يتحركون إلا لأن هذا المكان جذاب ومهم و هو صانع الثقافة وصانع الإبداع والمحرك الرئيسي والجاذب الأهم لحركة الصناعة الثقافية العربية
ومصر ومبدعيها دائما في المقدمة وهى محرك أصلى وأرض مصر تكتنز تاريخا عريقا وامتدادا أصيلا في الزمن فمصر ليست جنسية عرقية ولا امتدادا للحضارة العربية عربي لكن مصر جنسية ثقافية مستقلة وهوية ثقافية واضحة المعالم، شديدة الوضوح والنصاعة وهى جميلة بكل ما فيها مهما كانت الملاحظات وهى المحرك الرئيسي لفعل الثقافة في المنطقة وكل ما يحدث خلاف ذلك هى مشاغبات الفرع للجذور.
هل تعتقد كشاعر حقا أن الشعر مأزوم هذه السنوات لاسيما مقارنة بالسرد وما الأسباب في نظرك إن كان هذا صحيحا؟
أعتقد أن الشعر العربي المعاصر والمصري تحديدا يمر بالفعل بأزمة والأزمة هنا أى الضيق الذي لا يؤمل بعده في فرج لا يشبه ما كان قبلها، والأزمة هى الضيق الذي يصيب الإنسان في صحته ولا يرجى عودته كما كان وهذا التوصيف يليق بما نراه في المشهد الشعري العربي والمصري، هناك تجارب نجت من هذا الضيق نجح أصحابها في أن يعكسوا ثقافتهم وانشغالهم الفكري والفلسفي في شكل تعبيري شعري جديد ولم يجربوا فقط من أجل التجريب أو مخالفة القديم أو مجرد مغامرة وقفز في الهواء بل جاءت تجاربهم وثيقة الصلة بثقافتهم وشواغلهم وامتدادا واضحا لشواغلهم وقريب الصلة من تجاربهم ومواقفهم في الحياة وهذا هو الشعر فالشعر ليس تجريبا منبت الصلة بحياة الشعراء. بل هو امتداد لحياة الإنسان وطريقة معيشته وتجاربه،
هل تعتقد كذلك أننا فعلا في زمن الرواية وهل لصدى وتأثير الجوائز الكبرى في السرد دورا في دعم الرواية والقصة وتوسعهم الكتاب في إنتاجهم السردي على حساب فنون كتابية أخرى؟
أعتقد نحن في زمن الكتابات المطولة ـ ليس تحديدا الرواية، وأخالف البعض أننا في عصر السرعة وأن الرواية تخالف طبيعة هذا العصر فأنا لا أرى أننا في عصر السرعة نحن نعيش زمن فقدت فيه المسافة والزمن سلطتهما على الإنسان، فأستطيع الآن أن أنتقل من مكان لمكان بسرعة بل وبسرعة أحددها بنفسي فمثلا أستطيع الانتقال من الاسكندرية لأسوان خلال ساعة بالطائرة وخلال 12 ساعة بالقطار وهكذا.. إلى آخر الأمثلة التي تؤكد أن الإنسان سيطر على المسافة والزمن وصار بإمكانه أن يملأ فراغ هذا الزمن بالإبداع وبالطريقة التي يريدها إبداعيا فلم يعد مجبرا على الشكل الفنى أو الإبداعي الذي يفرضه الزمن وتفرضه المسافة، وقديما كان إيقاع الحياة يتطلب شعرا وإبداعا بطريقة معينة يناسب إيقاع الزمن لكن الآن، كلما امتلكت القدرة على التسريد والشرح والإطناب ورسم الصورة والتعليل والتفسير ورسم الصورة كلما امتلكت خيال الإنسان الذي يتحكم في وقته وزمنه.
لقد زادت رغبة الإنسان في أن يحكى ويحكى له ويروى ويروى له فالسرد الآن هو الأقرب لروح الحياة، وبدأت الجوائز تهتم بذلك فجاءت نتيجة وليست سببا، حيث استعاد الإنسان شفاهة السرد وليست شفاهة الشعر والسرد هو الأقرب لروح اللحظة الزمنية التي نعيشها.
لماذا يتجه معظم الشعراء للسرد في مرحلة ما من مسيرته؟
هناك تحول حادث بالفعل تأثرنا به جميعا كما أشرت، مع اختلاف درجات الوعي وهو ما أشرنا إليه من تحول طبيعة الزمن وذهب الشعراء يجربون في هذه المساحة الأكثر رحابة واتساع ، فالسرد الأقرب الآن إلى روح العصر والشعر نفسه تغير وإذا لم يتطور ربما يخرج من المشهد لفترة طويلة، فالشعر لم يعد النغمات التقليدية والإيقاعات ولا حتى المجاز التقليدي ولا الاستعارات وأشكال البديع التقليدية وإيقاعاته كل هذا لم يعد مناسبا لطبيعة الزمن فقد صار سردا مكثفا وهو ما دفع الشعراء إلى السرد أكثر، حتى السرد بدأ يتغير وتتسع مسافاته ليستوعب كل أشكال التعبير
*يمارس وليد علاء الدين أكثر من نشاط إبداعي عبر الشعر والسرد والتشكيل وهنا نسأل.. وما الرابط أو الرحم الذي يجمع هؤلاء الأجنة؟
الذي يحكم ويجمع كل هذه الأشكال هو الخيال وكل هذه الأشكال أدوات يستخدمها وليد علاء الدين لاقتناص خياله في أشكال يمكنه مشاركتها مع الآخرين فالإنسان صندوق خيال مغلق، ومن يعود للتاريخ يجد القاعدة كانت أن يجمع الشعراء بين التعبير بأشكال تعبيرية مختلفة شعرا ونثرا وغيرها، ولا غرابة في تعدد أشكال التعبير أبدا فالتعدد والتنوع أصلا هو القاعدة وأدعو كل من لديه رغبة إبداعية ألا يقمعها.
لكل كاتب وشاعر حقيقي مشروع يسعى لإنجازه فما هى ملامح مشروعك وهل تعتقد أنك اقتربت من رسم ملامحه كاملة؟
أوافقك تماما أن لكل كاتب وشاعر حقيقي مشروع يسعى لإتمامه وهذا المشروع له علاقة بالمحتوى الثقافي والفكري الذي يمتلكه الإنسان وأضرب المثال بالفنان الانطباعي الذي يرسم على الحوائط استقبال الحجاج مسافرين أو عائدين من الحج أو الكعبة أو السفن فلو طلبت منه أن يرسم شجرة أو لوحة فلن يستطيع لأنه لم يعتني بمدخلات خياله أو ثقافته وتعبئة خياله سيتوقف مشروعه ويتجمد مكانه والمحرك الرئيسي لمشروع المبدع هو الانشغال والسؤال والأسئلة التي تتجدد دائما وكل المبدعين والكتاب الكبار وعلى رأسهم نجيب محفوظ ظلوا مشغولين بالسؤال لآخر حياتهم، لا يكتمل مشروع الإنسان إلا برحيله أو إعلانه التوقف عن الإنتاج.